أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

من لص إلى رجل كريم: قصة التغيير والكرامة

 من لص إلى رجل كريم: قصة التغيير والكرامة



في مملكة بعيدة، عاش شاب يتيم امتهن السرقة منذ صغره. لم يكن له عائلة أو صديق أو موجه، سوى عقل ذكي وسرعة يد لا مثيل لها. كان يسرق ويختفي دون أن يُقبض عليه أبدًا، ومع ذلك، كان يشعر بشيء ناقص في داخله، حياته بلا معنى، بلا اتجاه، بلا قيمة.


من لص إلى رجل كريم: قصة التغيير والكرامة



وذات يوم، وبعد أن تم القبض عليه في إحدى محاولات السرقة، أودع السجن لعدة أشهر. جلس بجانبه رجل مسن، تبدو على وجهه آثار التجارب والتأمل. لم يكن السجين رجلًا عاديًا، بل شخصًا عاش الحياة وعرف مرارتها.


بدأ الشاب يحكي له عن نفسه، عن وحدته، عن تعلقه بالسرقة، وقال بصراحة: "أنا لا أعرف غير هذه الحياة، لا أظن أنني أستطيع أن أتغير." ابتسم الرجل الحكيم وقال: "التغيير لا يبدأ بترك كل شيء دفعة واحدة، بل بخطوة واحدة فقط. عاهد نفسك اليوم أن تعامل كل امرأة باحترام، ومن ليست زوجتك فلتكن في نظرك كأمك أو أختك."


توقف الشاب وتفكر في كلامه، ثم قال: "هذا أقدر عليه." ومن تلك اللحظة وُلِد داخله مبدأ جديد، بسيط لكنه عظيم: كل امرأة تستحق الاحترام.


مرت الأيام وخرج من السجن وعاد إلى حياته، لكنه لم يعد ذلك الشاب الذي يتجاوز على كل شيء دون تردد. أصبح يحمل في قلبه ميزانًا جديدًا يزن به أفعاله.


في تلك المملكة، كان الملك يعيش أزمة؛ بلا وريث، وبدأ قلبه يبرد نحو الملكة. أمر ببناء قصر صغير قرب الغابة وأرسلها للعيش هناك وحيدة تحت الحراسة.


وذات ليلة، مر الشاب قرب القصر وقال في نفسه: "لابد أن صاحبه ثري، إن سرقت منه قد أجد ثروة تغنيني طويلًا." تسلل إلى الداخل في ظلام الليل، لكن الحراس لاحظوه وأبلغوا الملك، الذي أسرع إلى القصر واختبأ خلف نافذة يراقب.


أما الشاب فكان يتنقل بين الحجرات يبحث عن شيء ثمين، حتى وقع قدمه، فأيقظ الملكة. نهضت بهدوء ونظرت إليه قائلة: "أتأتي لتسرقني؟ أعلم أنك لست من هنا." تجمد مكانه وتوسل قائلاً: "أرجوك، لا تخبري أحدًا بوجودي."


نظرت إليه للحظة ثم قالت: "سأحميك، بل وأمنحك ذهبًا ومالًا إن قبلت بأمر واحد." ارتبك الشاب وسأل بدهشة: "ما هو؟" قالت بعين حزينة: "لقد تركت هنا سنين وحدي، أريدك أن تكون معي مرة واحدة فقط، وفي المقابل ستحصل على ما تشاء."


تذكر الشاب كلمات الشيخ الحكيم في السجن: "كل امرأة ليست لك، هي أم أو أخت." تنهد ورفع عينيه قائلاً: "أنت بمثابة أمي، وقد قطعت وعدًا على نفسي ألا ألمس امرأة بسوء. اطلب مني فقط ما يقدر عليه ابن أمه."


غرقت عينا الملكة بالدموع، ولم تعتاد أن ينظر إليها أحد بهذا النقاء منذ زمن. في تلك اللحظة، دخل الملك، وسمع كل شيء، فأمر بالقبض على الشاب وإيداعه السجن.


في الصباح، اجتمع أهل البلاط، ووقف الشاب مكبل اليدين أمام الملك. نظر إليه الملك مليًا ثم قال: "رأيت موقفك، وما رأيته فيك من كرامة. من علمك هذا؟" أجاب الشاب: "رجل حكيم التقيته في السجن، قال لي: إن لم أترك السرقة، فلا أترك احترام النساء."


تأمل الملك وجهه ثم قال بصوت مرتفع: "ما أحوجنا إلى رجال كهذا، وما أعظم من يستمع للنصيحة ويغير بها مصيره." أمر بفك قيوده وقال لحاجبه: "اكتب اسمه في سجل الشرف الملكي، حيث تُسجل أسماء من غيروا أنفسهم، لا خوفًا من العقاب، بل احترامًا للحق." ثم أضاف: "اذهب، فأنت رجل حر في هذه المملكة. نلت العفو بشرفك، لا بوساطة ولا جاه."


القصة تذكرنا أن الحياة لا تُقاس بالظروف التي نولد فيها، بل بالخيارات الصغيرة التي نتخذها يوميًا. التغيير لا يحتاج إلى ثورة داخلية عارمة، بل إلى خطوة أولى ثابتة، ومبدأ نبيل، واحترام نابع من القلب. الكرامة والرجولة والتغيير كلها قرارات يومية، والنقاء ليس سذاجة بل شجاعة.


حتى لو لم تُروى قصتك أمام الملوك، فإن احترامك للآخرين ووفاؤك لمبادئك هو الانتصار الأكبر، لأن الإنسان الحقيقي يُقاس بما يزرعه في قلبه لا بما يأخذه من الآخرين.

Mohamad
Mohamad
تعليقات