قصة الملك الذي تعلّم كيف يسيطر على عواطفه
كان يا مكان، في قرية صغيرة تحيط بها الجبال الخضراء والأنهار المتلألئة، عاش ملك في قصر عظيم يفيض بالجمال والرفاهية.
كانت حدائق قصره تزدان بالأزهار النادرة، وأشجار الفاكهة المثمرة، وكل ما قد يتمنى الإنسان من راحة ونعيم كان متوفرًا له.
ورغم هذا الازدهار، لم يكن الملك محبوبًا من شعبه كما ينبغي، فقد اشتهر بطباعه الحادة وسرعة انفعاله. كانت عواطفه تقوده في كثير من الأحيان، فيُصدر قرارات قاسية ومتسرعة دون تفكير عميق، مما جعل الناس يعيشون في قلق دائم من ردود أفعاله غير المتوقعة.
زيارة غيرت مجرى الأحداث
في أحد الأيام، وصل إلى مملكة الملك عجوز حكيم، عُرف في أرجاء البلاد برجاحة عقله، وحكمته، وأخلاقه العالية. وما إن سمع الملك بقدومه، حتى دعاه إلى قصره لتناول العشاء، على أمل الاستفادة من علمه وخبرته.
قبل الحكيم الدعوة بكل لطف، وفي المساء اجتمع الجميع حول مائدة الطعام. وبينما كانوا يتحدثون، سقطت ذبابة عن طريق الخطأ في طبق الملك. وما إن رآها حتى اشتعل غضبه، وصرخ في وجه الخادم بشدة، واتهمه بالإهمال.
ارتجف الخادم خوفًا، محاولًا تبرير الموقف، لكن الملك لم يمنحه فرصة، وألقى الطبق على الأرض في نوبة غضب عارمة.
حكمة في لحظة غضب
كان الحكيم يراقب المشهد بهدوء، ثم تحدث بصوت متزن قائلاً إن الذبابة لم تكن خطأ الخادم، بل سقطت بعد تقديم الطعام، وأن مثل هذه الأمور البسيطة لا تستحق أن تفسد المزاج وتُهدر الكرامات.
تنهد الملك بإحباط وقال إنه لا يستطيع التحكم في غضبه، حتى إن أمورًا تافهة قادرة على تعكير صفوه. عندها ابتسم الحكيم وقال:
ليست الذبابة هي من أفسدت مزاجك، بل رد فعلك تجاهها.
أنت تملك القدرة على التحكم في عواطفك، فلا تسمح لها بأن تتحكم فيك.
العواطف… قوة إن لم تُضبط
أوضح الحكيم أن المشكلة الحقيقية ليست في الغضب ذاته، بل في الاستسلام له. فالعواطف، إن تُركت دون قيادة، تشبه سفينة تسير وسط عاصفة بلا دفة، قد تنجرف بعيدًا عن موانئ الأمان والاستقرار.
وأضاف أن القرارات التي تُتخذ في لحظات الغضب أو الفرح الشديد غالبًا ما تقود إلى الندم، بينما القرارات الحكيمة تولد من التفكير الهادئ والعقل الواعي.
ونصح الملك بأن يكون قدوة لشعبه، لأن القائد الحقيقي هو من يستطيع السيطرة على نفسه قبل أن يحاول السيطرة على الآخرين، فالقوة الحقيقية تكمن في ضبط الذات لا في فرض الهيبة.
بداية التحول
شعر الملك بالحرج من كلماته، لكنه في الوقت نفسه شعر بيقظة داخلية لم يعرفها من قبل. أخذ نصيحة الحكيم على محمل الجد، وبدأ في ممارسة الصبر وضبط انفعالاته.
وبعد أيام قليلة، لاحظ تغيرًا واضحًا في نفسه؛ أصبح أكثر هدوءًا، وأكثر قدرة على فهم المواقف قبل الحكم عليها، وبدأ يتخذ قرارات أكثر عدلًا وحكمة.
مع مرور الوقت، انعكس هذا التغيير على مملكته، فعمّ السلام، وزاد احترام الناس له، ووجد الملك نفسه يعيش حياة أكثر سعادة وطمأنينة.
ما بعد القصر… الحكمة التي تخص الجميع
بعد أن لمس الملك أثر الكلمات في نفسه، قصد الحكيم ليعبر له عن امتنانه. غير أن الحكيم أوضح له أن ما مرّ به ليس تجربة استثنائية تخص العروش فقط، بل هو صراع يعيشه كل إنسان حين يترك مشاعره تقوده دون وعي.
فالغضب، مهما اختلفت مكانة صاحبه، يبقى اختبارًا داخليًا يحتاج إلى إدراك وضبط، لا إلى قوة أو سلطة.
وأوضح أن المشاعر مثل الغضب والحزن والسعادة جزء طبيعي من الحياة، تأتي وتذهب، لكن الخطر يكمن في أن نسمح لها بقيادة أفعالنا دون وعي.
وأكد أن أول خطوة للتحكم في العواطف هي التعرف على المحفزات التي تثيرها، ثم تعلم تهدئة النفس عبر التأمل، والتنفس العميق، ومراقبة الأفكار بدل الانجراف خلفها.
خلاصة المقال
تعلّمنا هذه القصة أن التحكم في العواطف ليس ضعفًا، بل قوة حقيقية، وأن الهدوء والتفكير الواعي هما مفتاحا القرارات السليمة والحياة المتزنة.
فحين نُحسن التعامل مع مشاعرنا، نستطيع أن نعيش حياة أكثر سلامًا، ونبني علاقات أفضل، ونتجنب الكثير من الندم والخسارة.
فالسلام الحقيقي يبدأ من الداخل، قبل أن ينعكس على العالم من حولنا.
