قصص للأطفال: حكاية شجرة العطاء وكيف يصنع العطاء السلام الداخلي
في يومٍ من الأيام، عاش صبيّ صغير مع والده في قرية هادئة تحيط بها الطبيعة من كل جانب. وفي أحد الأيام، قام الأب بزراعة شجرة صغيرة بالقرب من منزلهما. كان يعتني بها يوميًا، يسقيها بالماء ويمنحها اهتمامه، بينما كان الصبي يراقب بصمت وفضول.
وذات يوم، سأل الصبي والده عن سبب زرع الشجرة والاهتمام الكبير بها، فابتسم الأب وقال له بحكمة:
“الأشجار مثل الأطفال، في البداية تحتاج إلى الرعاية والتغذية، وعندما تكبر بشكل صحيح، يمكنك الجلوس تحت ظلها، فتمنحك ما زرعته فيها.”
مرت الأيام وكبرت الشجرة، واشتد عودها، وازدادت قوة وجمالًا. شعرت الشجرة بالرضا وهي تقوم بواجبها الطبيعي تجاه الحياة. كانت تمد أغصانها كأنها أذرع مفتوحة، لتمنح الطيور المتعبة مكانًا للراحة أثناء رحلاتها الطويلة. أوراقها الكثيفة كانت تقي الحيوانات والبشر من حرارة الشمس، وثمارها التي تساقطت غذّت الكثيرين.
لم تقتصر فوائد الشجرة على ذلك، فجذورها تعمّقت في الأرض وساعدت على امتصاص المياه وتجفيف التربة العطشى، كما امتصّت الكربون من الهواء وأعادت للحياة هواءً نقيًا. كانت الشجرة تعيش في سعادة ورضا، لأنها فقدت نفسها في العطاء وخدمة الكوكب دون انتظار مقابل.
مرت سنوات طويلة، ولم تترك الشجرة يومًا دون فائدة. لم تطلب شكرًا، ولم تعرف الغرور، ولم تفكر لحظة فيما قدمته للعالم. كانت مثالًا حيًا لـ العطاء الصامت، ولذلك عُرفت بين أهل القرية باسم شجرة العطاء.
في الوقت نفسه، نشأ الصبي وكبر، لكنه سلك طريقًا مختلفًا تمامًا. فقد أصبح رجلًا أنانيًا، جشعًا، لا تنتهي رغباته. كلما حقق رغبة، ظهرت أخرى، وإذا لم تتحقق، غرق في الغضب والضيق. عاش في دائرة لا تنتهي من الرغبات المؤذية، التي لا تجلب إلا التعاسة.
بسبب طبيعته الغاضبة، ابتعد عنه أصدقاؤه، ثم تركته زوجته وأطفاله، وفي النهاية غادر قريته وأصبح وحيدًا بلا مأوى. شعر أن العالم كله قد استخدمه وتخلى عنه. دخل في حالة من الشفقة على الذات، وامتلأ قلبه بالحقد، وأخذ يتجول في القرى وهو يصرخ:
“العالم استخدمني… الجميع تخلى عني!”
وفي لحظة تعب وانكسار، جلس تحت ظل الشجرة التي زرعها والده يومًا ما. كانت الشجرة، كعادتها، منشغلة في خدمة الحياة؛ الطيور على أغصانها، والحيوانات تستظل بها، والثمار تُؤكل بسعادة.
لاحظت الشجرة الرجل وهو يبكي، فسألته بلطف عن سبب حزنه. أجابها بألم:
“هذا العالم استخدمني، لم يعطني شيئًا.”
كان هناك طائر يراقب المشهد من بعيد، ومعه أرنب، فضحك الطائر وقال:
“هذه هي مفارقة الحياة. الإنسان فقد نفسه في الرغبات، فتألم وتعذّب، أما الشجرة فقدت نفسها في العطاء، فازدهرت وارتفعت.”
قصص للأطفال
وأضاف الأرنب:
“كلاهما زرعهما نفس الرجل، لكن كلاهما سلك طريقًا مختلفًا. نحن جميعًا هنا ليستخدمنا العالم، والفرق يكمن في كيف نُستخدم.”
وهكذا، تبيّن أن العطاء الواعي هو طريق السلام الداخلي، بينما التعلّق المفرط بالرغبات يقود إلى المعاناة.
الدروس المستفادة من قصة شجرة العطاء
تُظهر هذه القصة الرمزية العميقة أهمية تنمية عادات قوية في حياتنا، مثل:
الامتنان لما نملك
اليقظة الذهنية والعيش في اللحظة
الرحمة والتعاطف مع الآخرين
القوة الداخلية لمواجهة التحديات
البساطة في أسلوب الحياة
هذه العادات تشكّل أساس حياة متوازنة مليئة بالمعنى. فالتحول الحقيقي يبدأ من الداخل، من التأمل الذاتي والنمو الشخصي. وكل خطوة نخطوها نحو تحسين أنفسنا، تُسهم في بناء عالم أكثر سلامًا وتناغمًا.
الامتنان، على وجه الخصوص، يعلّمنا تقدير النعم مهما كانت بسيطة، ويفتح قلوبنا للرضا والوفرة. أما اليقظة الذهنية، فتمكّننا من فهم أفكارنا ومشاعرنا دون أحكام، فنعيش بسلام داخلي أعمق.
الخلاصة
تؤكد قصص الأطفال الهادفة مثل قصة شجرة العطاء أن السعادة لا تأتي من الأخذ، بل من العطاء، وأن السلام الداخلي لا يعتمد على ما يقدمه لنا العالم، بل على ما نقدمه نحن له.
فاختر أن تكون كالشجرة… معطاءً، صامتًا، مزدهرًا.