قصص عربية من متسوّل في محطة قطار إلى تاجر زهور ناجح: حين غيّر العطاء مصير إنسان
في إحدى محطات القطار في مدينة مزدحمة، كان يعيش رجل بسيط يقضي أيامه في طلب الصدقات من المسافرين الذين يعبرون المكان على عجل. اعتاد الجلوس قرب الأرصفة، يمد يده طالبًا المساعدة، حتى أصبح وجهًا مألوفًا لرواد المحطة.
في أحد الأيام، وبينما كان يمارس عادته اليومية، لفت انتباهه رجل طويل القامة، حسن المظهر، يرتدي ملابس أنيقة تدل على الثراء. قال المتسوّل في نفسه إن هذا الرجل لا بد أن يمنحه مبلغًا جيدًا إن طلب منه المال. اقترب منه وبدأ يطلب الصدقة.
توقف الرجل ونظر إليه بهدوء ثم قال:
أنت تطلب دائمًا من الناس، لكن هل فكرت يومًا أن تعطي شيئًا لأحد؟
تفاجأ المتسوّل وأجاب:
سيدي، أنا مجرد متسوّل، لا أملك شيئًا. كيف يمكنني أن أعطي غيري وأنا أطلب المساعدة بنفسي؟
ابتسم الرجل وقال:
إذا لم تكن قادرًا على العطاء، فلا يحق لك أن تطلب. أنا رجل أعمال وأؤمن بأن الحياة قائمة على مبدأ الأخذ والعطاء. إن كان لديك ما تقدمه لي، عندها فقط سأعطيك بالمقابل.
ثم أنهى حديثه وصعد إلى القطار وغادر.
بقي المتسوّل جالسًا يفكر في تلك الكلمات التي اخترقت قلبه بعمق. قال في نفسه إن قلة ما يحصل عليه ربما ليست بسبب فقره، بل لأنه لا يقدم شيئًا في المقابل. لكنه ظل حائرًا: ماذا يمكن لإنسان مثله أن يعطي؟
ظل هذا السؤال يلاحقه يومين كاملين بلا إجابة. وفي اليوم الثالث، وبينما كان جالسًا قرب المحطة، لاحظ بعض النباتات القريبة وقد تفتحت أزهارها. عندها لمعت فكرة في ذهنه: لماذا لا أقدّم هذه الأزهار للناس تعبيرًا عن الشكر؟
أعجبته الفكرة، فبدأ بقطف بعض الزهور. وفي ذلك اليوم، كلما أعطاه شخص مالًا، قدّم له زهرة بابتسامة صادقة. تفاجأ الناس بهذه اللفتة البسيطة، واستقبلوها بامتنان وسعادة، واحتفظ الكثير منهم بالزهور.
منذ ذلك اليوم، صار يقطف الزهور كل صباح قبل أن يبدأ يومه، ولاحظ أن عدد من يقدمون له المال بدأ يزداد. وفي الأيام التي تنفد فيها الزهور، كان العطاء يقل، فازداد يقينه بأن ما يحدث لم يكن صدفة.
وفي أحد الأيام، وأثناء وجوده في القطار، رأى الرجل الأنيق نفسه الذي غيّر نظرته للحياة. اقترب منه وقال:
اليوم لدي شيء أقدمه لك. إن منحتني صدقة، سأعطيك زهرة بالمقابل.
ابتسم الرجل، أعطاه المال، وأخذ الزهرة وقال:
رائع، لقد أصبحت رجل أعمال مثلي.
غادر الرجل، لكن كلماته ظلت تتردد في عقل المتسوّل. نزل من القطار، رفع رأسه نحو السماء، وقال بصوت عالٍ:
لم أعد متسوّلًا بعد الآن، أنا رجل أعمال.
نظر إليه الناس باستغراب، ظنّ بعضهم أنه فقد عقله، لكنه كان على يقين تام بما يقول.
بعد ستة أشهر، وفي المحطة نفسها، التقى رجلان أنيقان يستعدان للسفر. مدّ أحدهما يده للمصافحة وقال:
هل تعرفني؟
أجابه الآخر مترددًا:
لا أظن أننا التقينا من قبل.
ابتسم الأول وقال:
بل التقينا مرتين. أنا ذلك المتسوّل الذي تحدثت معه سابقًا.
تفاجأ الرجل وقال:
أوه نعم، أتذكرك. لكنك تبدو مختلفًا الآن، ماذا تفعل حاليًا؟
أجابه بثقة:
كنت متسوّلًا، أما اليوم فأنا تاجر زهور ناجح، وأسافر إلى مدينة أخرى من أجل عملي. لقد تعلمت قاعدة غيرت حياتي: نحن لا نحصل إلا عندما نعطي.
وأضاف أنه أدرك أنه لم يكن متسوّلًا يومًا، بل كان رجل أعمال لا يرى نفسه بوضوح. الناس لم يمنحوه صدقات، بل كانوا يدفعون مقابل قيمة قدّمها لهم. استخدم المال لشراء المزيد من الزهور، وتوسّع تدريجيًا حتى أصبح يدير تجارة ناجحة.
واصل الرجلان رحلتهما، وبقيت القصة شاهدًا على حقيقة عميقة في الحياة. فكثيرًا ما نحاصر أنفسنا بأفكار تقلل من قيمتنا، ونعتقد أننا غير قادرين أو غير مستحقين للفرص. بينما التغيير الحقيقي يبدأ من نظرتنا لأنفسنا.
العطاء لا يقتصر على المال، فقد يكون كلمة طيبة، أو جهدًا صادقًا، أو ابتسامة في وقت صعب. حين نحول تركيزنا من الأخذ فقط إلى تقديم قيمة حقيقية، تنفتح أمامنا أبواب لم نكن نراها.
الحياة لا يحكمها الفقر أو الغنى بقدر ما تحكمها الأفكار والمعتقدات. من يرى نفسه عاجزًا سيبقى مكانه، ومن يؤمن بإمكاناته يخلق طريقه بنفسه. قصة المتسوّل الذي أصبح تاجر زهور تذكرنا بأن لا وضع ميؤوس منه، ولا حلم مستحيل لمن يجرؤ على التفكير بطريقة مختلفة.
التغيير لا يحدث فجأة، بل هو رحلة تحتاج إلى صبر وشجاعة وإصرار. لكن كل خطوة صغيرة نحو العطاء تصنع فرقًا كبيرًا. فحين نعطي، نزرع بذورًا تعود إلينا أضعافًا، ونبني حياة أكثر معنى وامتلاء.