قصة نور الوفاء: حكاية أخلاقية عن الحب والاختيار في مواجهة الطمع
في يومٍ من الأيام، عاش رجل وزوجته حياةً هادئة يسودها الحب والانسجام. كانا مثالًا نادرًا للعلاقة الزوجية الصادقة، حتى أصبح اسماهما يترددان بين الناس كنموذجٍ للوفاء الحقيقي. ومن عادتهما الغريبة التي لفتت الأنظار أنهما لم يكونا يطفئان الضوء في منزلهما أبدًا، بل يتركانه مشتعلاً طوال الليل، وكأنه إعلان صامت عن دفء علاقتهما.
في إحدى الليالي، كان الملك والملكة يقفان عند نافذة قصرهما العالية، يتأملان المدينة الغارقة في النوم. لفت انتباههما نور منزلٍ ما يزال مضيئًا من بعيد. تساءلا عن سر هذا الضوء، وسر العلاقة التي جعلت بيتًا متواضعًا يشع وسط الظلام. تحوّل الأمر إلى نقاشٍ حاد بينهما؛ الملك رأى أن سبب الانسجام هو إخلاص الزوج، بينما أصرت الملكة على أن الفضل يعود إلى الزوجة.
ولحسم الخلاف، قررا اختبار الحقيقة.
في اليوم التالي، أرسلت الملكة إحدى خادماتها إلى الرجل، تحمل له عرضًا صادمًا: إن قتل زوجته، ستصبح الخادمة زوجته الجديدة. وقف الرجل ثابتًا وقال دون تردد إنه لن يفرّط في زوجته ولو عُرضت عليه الدنيا بأسرها، مؤكدًا رضاه بما قسمه له القدر، وأنه لا يستبدل زوجته بألف ملكة.
في المقابل، أرسل الملك خادمًا إلى زوجة الرجل، يعدها بأن تصبح ملكة إن هي قتلت زوجها. ترددت المرأة لحظة، ثم وافقت بخطةٍ مرعبة: ستقتله ليلًا، وعندما ينطفئ نور المنزل يكون ذلك إشارة على بدء الجريمة.
أمر الملك جنوده بالاستعداد لإنقاذ الرجل فور انطفاء الضوء.
في المساء، عاد الزوج إلى بيته كعادته، تبادلا حديثًا لطيفًا، ووضع رأسه في حجر زوجته فغلبه النوم. عندها، وضعت المرأة حبلًا حول عنقه، وأطفأت النور، وبدأت بسحب الحبل حتى فارق الحياة. لكن الجريمة وقعت قبل أن يصل جنود الملك.
حزن الملك حزنًا شديدًا على مقتل أحد أفضل رعاياه، وتحوّل حزنه إلى كراهية عمياء تجاه جميع النساء، حتى إنه لم يستطع النوم تلك الليلة. وفي الصباح، أصدر أمرًا مرعبًا لرئيس وزرائه: إعدام جميع نساء البلاد قبل عودته من الصيد.
كان لرئيس الوزراء أبٌ مسنّ حكيم. عندما سمع بالأمر، نصحه بعدم تنفيذه، وتحمّل هو المسؤولية كاملة.
عند عودة الملك، وجد النساء ما زلن على قيد الحياة، فاستشاط غضبًا وطلب إحضار رئيس الوزراء لإعدامه أولًا. لكن الأب العجوز وقف أمام الملك متكئًا على عصاه، وطلب الإذن بسرد قصة من حياته.
حكى أنه في عهد والد الملك، ضل طريقه أثناء الصيد، فاختطفه فارس مجهول واقتاده إلى مقبرة، حيث حفر قبرين. ظن أن أحدهما له، لكنه فوجئ بالفارس يفك قيوده ويطلب مساعدته في دفن جثة رجل. بعد ذلك، كشف الفارس عن حقيقته: كانت امرأة تنكرت في هيئة رجل، جاءت لتدفن أميرًا قتل زوجها طمعًا في حبها، ثم حاول قتلها عندما رفضته. فهربت إلى هذا الملك الذي حماها، وأقسمت أن تنتقم لزوجها.
أنهى العجوز قصته قائلاً: هذه امرأة اختارت الوفاء والعدالة، فهل تُذبح جميع النساء بسبب خيانة امرأة واحدة؟
أدرك الملك خطأه، فتراجع عن أمره، ولم يُعاقَب إلا الزوجة الخائنة.
تُظهر هذه القصة أن الحياة مليئة بالاختبارات، وأن الخيارات السهلة قد تمنح مكاسب سريعة لكنها تسلب الإنسان راحته وكرامته. أما الوفاء، فرغم صعوبته، هو الطريق الوحيد للنوم بسلام والفخر بالنفس.
النور الذي كان يضيء منزل الزوجين لم يكن مجرد مصباح، بل رمزًا للحب والإخلاص. وعندما أُطفئ، لم يُطفأ الضوء فقط، بل انطفأت القيم والمعاني الجميلة في حياة من خانت.
لا تجعل الطمع يطفئ نورك. كن وفيًا لما تملك، عادلاً في أحكامك، ولا تدع خيانة شخص واحد تجعلك تكره الجميع. فهذه القصة ليست حكاية قديمة، بل مرآة تعكس واقعنا اليوم، وتذكّرنا أن الحب الحقيقي أفعال تُختبر في أصعب اللحظات، لا كلمات تُقال عند الرخاء.
