قصص للأطفال : حكاية ملعقة الماء كيف تجد السلام الداخلي وسط الضجيج والسلبيّة
كان يا ما كان، في قرية صغيرة هادئة، عاش رجل عجوز حكيم اشتهر بين الناس بتعاليمه العميقة حول السعادة والمعاناة، وبفهمه الدقيق لطبيعة النفس البشرية. وفي أحد أيام الربيع الدافئة، حين امتزج دفء الشمس بنسيم عليل، كانت القرية تبدو بعيدة عن صخب المدن، لكنها لم تكن خالية من المتاعب.
في تلك القرية، عاش شاب طموح مع جده الحكيم. كان الشاب يشعر بضيق شديد وتوتر دائم من الحياة هناك، إذ كانت الشائعات والنميمة منتشرة بين الناس بشكل مزعج. تراكم هذا الجو السلبي في داخله حتى لم يعد قادرًا على الاحتمال.
ذهب الحفيد إلى جده، وقد بدت على وجهه علامات الحزن واليأس، وقال بصوت مثقل بالألم:
"لدي حزن واكتئاب واشعر بفقدان الامل. لم أعد أستطيع العيش في هذه القرية. أريد أن أغادر إلى مكان مسالم وهادئ."
نظر الجد الحكيم إلى حفيده نظرة عميقة، تلك النظرة التي تعكس خبرة السنين وفهم النفوس، ثم سأله بهدوء:
استغرب الجد وقال له لماذا كل هذه الحزن يا ولدي وهذه الاستاء
تنهد الشاب وقال:
"يا جدي، الناس هنا سامّون بالنسبة لي. الكثير منهم لا يشغلهم سوى السياسة والحديث عن الآخرين بسوء. يقضون أوقاتهم في النميمة وإطلاق الشائعات، ولا أظن أنني أستطيع أن أعيش بسلام في هذه البيئة."
استمع الجد الحكيم بانتباه، ثم قال بهدوء:
قال له لا مانع يا ولدي ولكن اريد منك خدمة صغيرة
لمع الأمل في عيني الشاب وقال بحماس:
"بالطبع يا جدي، سأفعل أي شيء تطلبه."
أمسك الجدّ بملعقة صغيرة، ملأها بالماء، ثم ناولها لحفيده قائلاً:
«احمل هذه الملعقة، وطف بها أرجاء القرية كلّها دون أن تسقط منها قطرة واحدة. إن نجحت، سأفي لك بوعدي».
أمسك الشاب الملعقة بحذر شديد، وبدأ يدور في أرجاء القرية. كان يسير بخطوات بطيئة ومدروسة، مركزًا كل انتباهه على الملعقة والماء. ورغم الضجيج من حوله، والأصوات المزعجة، والناس المتحدثين، لم يلتفت إلى شيء، فقد كان تركيزه كاملًا على مهمته.
وبعد ساعات من الجهد والتركيز، عاد إلى جده وهو يبتسم بفخر وقال:
"يا جدي، لقد نجحت. لم أسقط قطرة واحدة من الماء."
ابتسم الجد الحكيم وقال:
"أحسنت يا ولدي. لكن دعني أسألك سؤالًا واحدًا. أثناء جولتك في القرية، هل سمعت أحدًا يتحدث عن السياسة؟ هل سمعت من يسيء إليك أو إلى غيرك؟ هل سمعت أي كلام سلبي؟"
أجاب الشاب متعجبًا:
لا كنت مركز على الملعقة يا جدي ولم اسمع اي شي !
عندها قال الجد الحكيم:
"وهنا تكمن الحكمة يا ولدي. عندما تركز بكامل وعيك على هدفك، لن يكون لديك وقت للإصغاء إلى الضجيج السلبي من حولك. أينما ذهبت في هذا العالم، ستجد أناسًا سلبيين، لكن تركيزك على هدفك هو ما يمنحك السلام."
في تلك اللحظة، أدرك الشاب الحكمة العميقة من تجربة جده، وفهم أن السلام الداخلي لا يعتمد على المكان، بل على التركيز والهدف. فقرر البقاء في القرية والعمل على تغيير نفسه بدلًا من الهروب من التحديات.
وهكذا، في الحياة، أينما كنا ومهما انتقلنا، إذا انشغلنا بكلمات الآخرين وسلوكياتهم، سنفقد طريقنا. أما إذا ركزنا على أنفسنا وأهدافنا، فإن كل ذلك الضجيج سيصبح مجرد أصوات بعيدة لا تؤثر فينا.
التركيز على الذات لا يعني الأنانية، بل يعني وضوح الرؤية. فكلما كانت أهدافك واضحة، كنت أقل تأثرًا بآراء الآخرين. لا تهرب من التحديات، لأنك ستجدها في كل مكان. إن كنت سعيدًا في داخلك، فستجد السعادة أينما ذهبت، وإن لم تكن كذلك، فلن يصنعها لك أي مكان في العالم.
الحياة مليئة بالصعوبات والأشخاص السلبيين، لكن العمل الجاد، والتفاني، والتركيز على الأحلام، هي المفاتيح الحقيقية للنجاح والرضا. لا تدع كلمات الآخرين تبعدك عن مسارك، وتذكر أن السلام والسعادة ينبعان من الداخل، لا من الظروف الخارجية.
الكلمات الدلالية:
قصة تحفيزية، قصص عربية هادفة، قصة عن التركيز، قصة عن السلام الداخلي، قصص تطوير الذات، قصة رمزية عميقة، قصص ملهمة، قصة قصيرة ذات مغزى، كيفية تجاهل السلبية.
