أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

قصة قبل النوم: الشاب الفقير والملك المتنكر وقوة الأفكار

 قصة قبل النوم: الشاب الفقير والملك المتنكر وقوة الأفكار


في قديم الزمان، ومنذ عصور بعيدة، كانت هناك إحدى الممالك التي عاش فيها شاب بسيط يعاني قسوة الحياة. كانت أيامه متشابهة؛ يخرج مع شروق الشمس بحثًا عن عمل يكسب منه قوت يومه، فإن حالفه الحظ عمل، وإن لم ينجح عاد إلى منزله الصغير ليطهو طعامًا بسيطًا، ثم يأكل وينام منتظرًا يومًا جديدًا.

قصة قبل النوم: الشاب الفقير والملك المتنكر وقوة الأفكار


في أحد الأيام، وبعد بحث طويل عن عمل دون أي نتيجة، كان الشاب يسير عائدًا إلى منزله مثقل القلب بخيبة الأمل، وفجأة سمع صوتًا من خلفه يقول:

"هل يمكنني أن أجد عاملاً هنا؟"


استدار الشاب فرأى رجلًا عجوزًا يقف خلفه، وبجواره ثلاثة أكياس كبيرة ممتلئة. أجابه الشاب فورًا بأنه مستعد للعمل. قال الرجل العجوز إنه بحاجة إلى الذهاب إلى قرية مجاورة تبعد مسافة ليست بالقصيرة، وأنه يستطيع حمل كيسين بنفسه، لكن الكيس الثالث ثقيل جدًا عليه، وعرض على الشاب ثلاث عملات ذهبية مقابل حمله.


وافق الشاب، وما إن التقط الكيس حتى شعر بثقله الشديد وقال متعجبًا إن الحقيبة ثقيلة للغاية. ابتسم الرجل العجوز وهمس قائلاً إن السبب هو احتواؤها على عملات برونزية. ورغم الثقل، حمل الشاب الكيس وبدأ السير برفقة الرجل.


خلال الطريق لاحظ الشاب أن الرجل العجوز يراقبه بنظرات حذرة، فخطر في باله أن العجوز ربما يشك في أمانته. فقال له مطمئنًا إنه لا يؤمن بالخيانة أو السرقة، وإنه لا يمكن أن يخون ثقة أحد مقابل بعض العملات، بل يسعى فقط لكسب أجره بصدق.


عندما وصل الاثنان إلى نهر يفصل بين الطريقين، بادر الشاب بالدخول إلى الماء لعبوره، لكن الرجل العجوز توقف عند الضفة وقال إنه كبير في السن ولا يستطيع عبور النهر وهو يحمل حقيبتين، فقد يغرق. وطلب من الشاب أن يحمل كيسًا آخر، ووعده بثلاث عملات ذهبية إضافية.


وافق الشاب، لكن الرجل العجوز تردد قليلًا وطلب منه وعدًا بألا يهرب. سأله الشاب عن سبب هذا الشك، فأجابه العجوز بأن الثقة أصبحت نادرة هذه الأيام، خاصة وأن الحقيبة تحتوي على عملات فضية. طمأنه الشاب مرة أخرى وأكد أنه ليس لصًا ولا خائنًا للأمانة، ثم أخذ الحقيبة الثانية وعبر النهر.


بعد مسافة من السير، وصلا إلى تل مرتفع. بدأ الشاب في الصعود ببطء، لكنه لاحظ أن الرجل العجوز توقف عند أسفل التل. ناداه الشاب مستغربًا، فأجابه العجوز بأنه لا يستطيع الصعود بسهولة بسبب كبر سنه وثقل الحقيبة.


عرض الشاب أن يحمل الحقيبة الثالثة عنه، لكن الرجل العجوز تردد بشدة، وأخبره أن هذه الحقيبة تحتوي على عملات ذهبية، وإن هرب بها فلن يستطيع اللحاق به. عندها رفع الشاب صوته قليلًا وقال إنه شخص يقدّر الصدق، وأنه يعمل عاملًا لأنه يرفض الكذب والخداع. وأخبره أنه كان محاسبًا في مؤسسة مالية، لكنه ترك عمله بعدما طُلب منه تزوير الحسابات، لأنه رفض خيانة ضميره.


ظل الرجل العجوز متشككًا، لكنه وافق أخيرًا وطلب من الشاب أن يحمل الحقيبة ويتقدم، على أن يتبعه بالسرعة التي تناسبه وينتظره في الأعلى.


حمل الشاب الأكياس الثلاثة وواصل السير، بينما بدأ صراع داخلي يدور في عقله. فكر أنه إن هرب بهذه الحقائب فلن يتمكن الرجل العجوز من اللحاق به، وسيصبح ثريًا للأبد. تساءل في نفسه: ماذا سيفعل رجل عجوز بكل هذا المال، بينما هو شاب في بداية حياته؟ تخيل نفسه غنيًا، متزوجًا من امرأة جميلة، يعيش حياة مريحة بلا تعب.


تسللت الفكرة إلى عقله شيئًا فشيئًا، حتى قرر في لحظة ضعف أن يهرب. ركض بكل قوته وهو يلهث، حتى وصل أخيرًا إلى منزله. أغلق الباب خلفه وفتح الأكياس بلهفة، لكنه صُدم عندما اكتشف أنها لا تحتوي على أي عملات ذهبية أو فضية، بل كانت مليئة بأحجار صغيرة.


احتار الشاب وسأل نفسه لماذا كذب عليه الرجل العجوز، ولماذا كل هذا التمثيل. وبينما كان يقلب محتويات إحدى الحقائب، وجد ورقة مطوية. فتحها وبدأ يقرأ، وكانت الرسالة تقول:


"أنا ملك هذه المملكة. لم يُرزق لي أولاد، وقد كبرت في السن، فكنت أبحث عن شخص صادق ليكون خليفتي. لو لم تهرب، لكنت أنت ذلك الشخص."


انهار الشاب من شدة الندم، ولازمه هذا الشعور طوال حياته. لم تكن لديه نية حقيقية للخيانة، لكن مجرد السماح لتلك الأفكار العابرة بالسيطرة على عقله جعله يخسر أعظم فرصة في حياته.


وهنا تكمن العبرة من هذه قصة قبل النوم؛ فهي تُظهر بوضوح قوة الأفكار وتأثيرها العميق على مصير الإنسان. فالشاب، رغم أمانته، سمح لفكرة سلبية واحدة أن تقوده إلى قرار يتعارض مع مبادئه.


الأفكار هي البداية لكل شيء؛ تتحول إلى كلمات، ثم إلى أفعال، ثم إلى عادات، وفي النهاية تصنع مصيرنا. أكبر عدو لنا ليس دائمًا شخصًا آخر، بل قد يكون فكرة غير مُراقبة في عقولنا.


لذلك، من الضروري أن ننتبه لما نفكر فيه، وأن نتحقق من أفكارنا قبل أن تتحول إلى أفعال نندم عليها. أفكارنا تشبه البذور؛ إن اعتنينا بها بحكمة، نمت لتصنع مستقبلًا مشرقًا مليئًا بالسلام والسعادة.

Mohamad
Mohamad
تعليقات