أقسام الوصول السريع (مربع البحث)

الصبي الذي وصل إلى وجهته قبل أن يبدأ الطريق

 الصبي الذي وصل إلى وجهته قبل أن يبدأ الطريق



الصبي الذي وصل إلى وجهته قبل أن يبدأ الطريق



رنّ الجرس، فركض جميع الطلاب إلى فصولهم الدراسية، وكان هذا الصبي واحدًا منهم. كان ذلك أول يوم دراسي له، إذ لم يذهب إلى المدرسة من قبل في حياته. كان يبلغ من العمر ست سنوات، وهو ابن حطّاب يقطع الخشب.



عاش الصبي ووالده على قمة تل طوال سنوات طفولته الأولى. كان الصبي يساعد والده في قطع الأشجار وجمع الحطب من قمم التلال، ثم يُباع هذا الخشب في المدينة لإعالة الأسرة وتوفير الدفء لكوخهم. وبسبب الفقر الشديد، لم يستطع الحطّاب تحمل تكاليف إرسال ابنه إلى المدرسة، رغم أن ذلك كان حلمه الدائم.


ساعد الصبي والده باستمرار، وتعلّم مهنة الحطابة، فكان بارعًا في شحذ الفأس وضرب الشجرة في المكان الصحيح. لم يكن لديه أصدقاء، ولم يزر المدينة قط منذ ولادته، فقد كانت حياته تقتصر على قطع الأشجار وحمل الحطب.


في أحد الأيام، أخبر الأب ابنه بخطته لإرساله إلى المدرسة. فسأله الصبي:

«وما هي المدرسة؟»

أشار الأب إلى مبنى أحمر أسفل التل وقال:

«تلك مدرسة، ستتلقى التعليم هناك. ومع التعليم ستصبح ذكيًا، وستجد عملًا أفضل من هذا».


لم يكن الصبي متأكدًا من أنه فهم ما قصده والده، فأومأ برأسه دون أن تكون لديه فكرة عن وجود عمل أفضل من قطع الخشب وحمله. لم يرَ الصبي أحدًا تقريبًا طوال حياته على قمة التل، ومع ذلك وجد نفسه ذات يوم جالسًا في فصل دراسي مع أطفال جدد.


دخل المعلم الفصل، فحيّاه الجميع باحترام، وفعل الصبي مثلهم. أعلن المعلم أن على كل طالب أن يخبر الفصل عن طموحه في الحياة. لم يسمع الصبي كلمة “طموح” من قبل، وكل ما كان يعرفه أن والده قال له إنه سيتعلم شيئًا في المدرسة.


وقف الطلاب واحدًا تلو الآخر. قال أحدهم إنه يريد أن يصبح طيارًا، وقال آخر إنه يحلم بأن يكون طبيبًا، وآخر مهندسًا أو جنديًا، وهكذا. أما الصبي، فلم يكن لديه أدنى فكرة. وعندما جاء دوره، وقف صامتًا.


سأله المعلم:

«ما هو طموحك في الحياة؟»

فأجابه الصبي:

«ما هو الطموح؟»


انفجر الفصل كله بالضحك، فأسكتهم المعلم، وشرح للصبي أن الطموح هو شيء يريد الإنسان تحقيقه في حياته، أو ما يرغب أن يصبح عليه.


ظل الصبي واقفًا شارد الذهن. طوال حياته كان يقطع الخشب ويحمله، ولم يكن يعرف أن هناك شيئًا يُسمى الطموح. وبحسب التعريف الذي سمعه، بدا له أن الطموح شيء بعيد عنه. فأجاب ببطء:

«ليس لدي طموح. أنا أقطع الخشب وأحمل أغصان الأشجار من التل مع والدي. نعمل في النهار، نأكل في المساء، وننام في الليل. لا يوجد أكثر من ذلك. أنا وأبي نحقق كل ما نخطط له في الصباح بحلول الليل».


ضحك الفصل مرة أخرى، وأسكتهم المعلم مجددًا. لم يكن الصبي يكذب، لكن الأطفال اعتادوا السخرية من كل ما لا يفهمونه. فقال المعلم:

«يجب أن يكون لديك طموح. بدون طموح تكون شخصًا بلا هدف وبلا اتجاه».


غاص الصبي في أفكاره، ولم يفهم لماذا يُطلب منه أن يتخيل هدفًا أو وجهة. لم يكن لذلك أي معنى بالنسبة له. طوال حياته كان يعتقد أن قطع الخشب صباحًا والنوم ليلًا هو كل ما ينبغي فعله، والآن يُقال له إن هناك شيئًا آخر لم يُفعل بعد، ويجب عليه أن يفعله لأنه وُلد بدونه.


تابع المعلم حديثه:

«عليك أن تسير في طريقك، وأن تعمل بجد، وإذا واصلت العمل فستصل يومًا ما إلى وجهتك».


سأل الصبي عن الطريق والوجهة، فنفد صبر المعلم وقال:

«الطريق المؤدي إلى هدفك النهائي، وجهتك هي منزلك الحقيقي».


فكر الصبي في نفسه: لماذا يُطلب مني أن أعمل بجد للوصول إلى مكان لا أريد الذهاب إليه؟ يسمونه هدفًا ووجهة، ويعتقدون أن على الجميع السير في هذا الطريق للوصول إليه. ولكن ماذا لو كنت لا أريد الوصول؟ ماذا لو كنت بالفعل في وجهتي؟ كيف أعرف أنني وصلت؟ هل أجلس وأنتظر؟ أم أتحرك أبعد؟ أم أعود إلى حيث بدأت؟ لا أشعر أن عليّ السير كل هذه المسافة من أجل مكان لا يبدو أجمل من منزلي على قمة التل.


هل يجب على الجميع السير نحو أهدافهم؟ وماذا عن الذين يختارون عدم السير؟ هل يُطلق عليهم بلا اتجاه؟ وما المشكلة إن كان شخص ما موجودًا بالفعل في وجهته؟ أهي فكرة سيئة أن تكون في وجهتك دون أن تمشي طريقًا مليئًا بالصعوبة والألم؟


استمر الطلاب في الضحك، بينما كان الصبي غارقًا في أفكاره. قال المعلم:

«ليس لديك أي هدف».

فأجاب الصبي:

«بل لدي».


ابتسم المعلم ابتسامة عريضة، معتقدًا أن الطالب فهم الدرس أخيرًا. سأله بفضول:

«ما هو طموحك؟ ما هدفك؟ ما وجهتك؟»


نظر الصبي من النافذة، وكانت أفكار عميقة تدور في ذهنه، ثم قال:

«أريد أن أقطع الخشب في الصباح، وأشرب الشاي في المساء، وأنام في الليل».


قال المعلم:

«هذا ليس طموحًا، لأنك تفعل ذلك بالفعل».

فرد الصبي:

«نعم، أليس هذا رائعًا؟ لقد وصلت بالفعل إلى وجهتي».


غضب المعلم وطرده من الفصل. عاد الصبي مرتبكًا، وفي تلك الليلة أخبر والده بما حدث في المدرسة، وقال:

«نحن نقطع الخشب من الأشجار الموجودة بالفعل، لكن المدرسة تطلب مني أن أقطع الخشب من أشجار غير موجودة، ويطلبون من الجميع أن يزرعوا شجرة أولًا وينتظروا حتى تكبر، ثم يقطعوا الخشب، بينما نحن نفعل ذلك الآن دون انتظار».


كان الصبي سعيدًا بتقطيع الخشب، لأنه وجد الرضا والسعادة في عمله. لكن العالم الجديد في المدرسة، المسمى بالطموح، كان يخبره أن السعادة والرضا لا يمكن الشعور بهما بهذه السهولة، بل بعد الكثير من العمل الشاق والألم، وأنك لا يمكنك أن تكون في هدفك منذ بداية حياتك.


قيل له إن الهدوء بعيد دائمًا، وإن عليك أن تسير في الطريق لتصل إلى تلك المشاعر، فقط لتكتشف عند الوصول أنه لا يوجد شيء هناك، وأنك كان بإمكانك الشعور بكل ذلك من أي نقطة في رحلتك، أو حتى دون الرحلة نفسها.


ضحك الوالد من ذكاء ابنه وبساطة منطقه، وعندما سأله عن شعوره تجاه حياته قال ضاحكًا:

«أخبرهم بما يريدون سماعه يا بني، فلديهم هم أيضًا طموحاتهم ليصبحوا معلمين ناجحين».


ترك الأب ابنه ليفكر في أفكاره ليلًا على قمة التل. في اليوم التالي، كان الصبي أول من تابع من حيث انتهى الدرس السابق، فقال:

«فكرت في الأمر، وأشعر أنني أريد أن أصبح طبيبًا».


ابتسم المعلم وصفق له، بينما جلس الصبي في مقعده واستمر الدرس.


نظر الصبي من النافذة، ورأى المطر ينهمر، والغيوم الرمادية تزأر في السماء. لم تتحرك السحب في اتجاه واحد، بل تحركت فقط. لم يسقط المطر في اتجاه معين، بل سقط فحسب. لم ينمُ العشب وفق نمط محدد، بل نما فقط. لم تبدُ عناصر الطبيعة وكأن لديها خطة، بل كانت صادقة مع طبيعتها.


ثم رأى رجلًا يقص العشب ليمنحه شكلًا جميلًا، فأدرك أن البشر لا يستطيعون العيش مع الطبيعة دون تغييرها، والمفارقة أن البشر أنفسهم جزء من تلك الطبيعة.


في الحياة، وفي حياتك أنت، من الطبيعي أن يكون لديك طموحات وتطلعات، لكن من المهم أيضًا أن تجد الرضا والسعادة في ظروفك الحالية. لا بأس أن تطمح، ولا بأس أن تكون سعيدًا حيث أنت الآن. فالحياة تتطور باستمرار، وتُكتشف بطرق جديدة في كل يوم وكل لحظة في هذا الكون الواسع.


هذه قصة تحفيزية لتدرك أن السعادة موجودة بداخلك، وأن الرضا تصنعه أنت، وأن الطموح وسيلة وليس غاية، لتعيش حياة أفضل وأكثر وعيًا.


Mohamad
Mohamad
تعليقات