بصيرة في الظلام: حكاية الأخ الأعمى الذي رأى ما لم يره المبصرون | قصص أطفال قبل النوم
كان يا ما كان، منذ زمنٍ طويل، في قرية صغيرة، عاش شقيقان. كان الأخ الأكبر أعمى، لذلك كان يقضي معظم وقته في المنزل، بينما كان الأخ الأصغر يعمل مزارعًا. لكن مزرعتهم كانت تتعرض للتدمير باستمرار بسبب كثرة الحيوانات التي تدخل الحقول.
انزعج الأخ الأصغر كثيرًا من هذه المشكلة، وبعد تفكير طويل توصل إلى حل. قال في نفسه: لماذا لا أطلب المساعدة من أخي الأعمى؟ يمكنه الجلوس في الحقل، وإذا سمع أي صوت حيوانات يصرخ فيفرّ هاربين، وبهذه الطريقة تُنقذ المحاصيل.
بنى الأخ الأصغر كوخًا صغيرًا في الحقل، ووضع أخاه الأكبر بداخله، وشرح له الفكرة قائلًا:
«يا أخي، إذا سمعت أي أصوات حيوانات، فقط اصرخ، وستهرب الحيوانات، وبذلك ننقذ محاصيلنا».
وافق الأخ الأكبر على الفكرة، وبدأ بالجلوس في الحقل. وكلما سمع أصوات الحيوانات، كان يصرخ فيخيفها. واستمر الأخوان على هذا الحال عدة أيام.
وفي إحدى المرات، مرّ غزال عبر الحقل فكسر السياج وفرّ هاربًا. وبعد فترة قصيرة، جاء ملك كان يطارد الغزال نفسه، فوصل إلى الحقل. لاحظ الملك وجود الأخ الأعمى وسأله:
«هل رأيت غزالًا مرّ من هنا؟»
أجاب الأخ الأعمى بهدوء:
«يا جلالة الملك، أنا أعمى، فكيف يمكنني رؤية غزال؟ ولكنني أعلم أن الحيوان الذي خرج من حقلي لا يستحق أن تطارده، فأنت تضيع وقتك».
اندَهش الملك من كلامه، وتساءل كيف عرف ذلك، فسأله إن كان يكذب بشأن كونه أعمى. ردّ الرجل الأعمى قائلًا:
«يا مولاي، الحيوان الذي تظنه غزالًا هو في الحقيقة غزالة حامل، ولم أسمع قط عن ملك يطارد غزالة حامل، لذلك أقول لك إنها لا تستحق مطاردتك».
ازداد اندهاش الملك، ولم يستوعب كيف يمكن لرجل أعمى أن يعرف أن الغزالة حامل. دارت الأسئلة في ذهنه، فشعر بالحاجة إلى التحقق من كلامه. أمر قائد الحرس قائلًا:
«أريد هذا الحيوان حيًّا، وأريد التأكد إن كانت الغزالة حاملًا بالفعل. يبدو أن هذا الرجل الأعمى واثق جدًا، ويجب التحقيق في الأمر».
نفذ قائد الحرس أوامر الملك، وعندما عاد، أخبره أن الرجل الأعمى كان محقًا، وأن الغزالة كانت حاملًا فعلًا. امتلأ الملك بالدهشة، وقرر استدعاء الرجل الأعمى لمعرفة سر هذه البصيرة.
عندما التقيا، قال الملك:
«لا أعرف إن كنت أعمى حقًا أم لا، لكنني جئت لأسألك سؤالًا واحدًا، وأريد منك إجابة صادقة».
أجاب الرجل الأعمى:
«يا جلالة الملك، اسأل ما تشاء، وسأجيبك بصدق».
قال الملك:
«أنت رجل حكيم، ويبدو أن لديك فهمًا عميقًا للأشياء. أريد أن أعرف: هل زوجتي مخلصة لي أم لا؟»
تعجب الرجل الأعمى وقال:
«يا مولاي، ما نوع هذا السؤال؟ زواجك استمر سنوات طويلة، فلماذا يخطر ببالك مثل هذا الشك؟»
لكن الملك أصرّ قائلًا:
«يجب أن تجيبني، وإن لم تفعل، فسأعاقبك بالإعدام».
عند سماعه التهديد، قال الرجل الأعمى:
«إن أردت الإجابة، فعليك أن تفعل لي أمرًا واحدًا».
سأله الملك: «وما هو؟»
أجاب: «اترك زوجتك وحدها معي في غرفة».
غضب الملك في البداية، لكنه وافق في النهاية، وأمر قائده بترك الرجل الأعمى والملكة بمفردهما. في تلك اللحظة، عبّر الرجل الأعمى عن رغبته في لمس الملكة. عند سماع ذلك، غضبت الملكة غضبًا شديدًا، وبدأت تضرب الرجل الأعمى بيديها وقدميها بكل قوتها. وبعد ذلك، تمكن الرجل الأعمى بطريقة ما من الهرب.
عاد الرجل الأعمى إلى الملك وقال:
«يا جلالة الملك، زوجتك غير مخلصة».
غضب الملك، ووجّه سيفه، وذهب إلى الملكة محذرًا إياها أن أي كذب سيؤدي إلى إعدامها. سألها:
«هل أنتِ مخلصة أم لا؟»
أجابت الملكة:
«يا جلالة الملك، حتى لو قتلتني، فأنا لست مخلصة».
شعر الملك بسعادة غامرة لأن كل ما قاله الرجل الأعمى كان صحيحًا. ذهب إليه فورًا وسأله:
«كيف عرفت أن زوجتي غير مخلصة؟»
أجاب الرجل الأعمى:
«يا مولاي، لقد أخبرتك زوجتك بنفسها. عندما طلبت لمسها، كان بإمكانها أن ترفض فقط، لكنها بدلًا من ذلك ضربتني بعنف، وخلال ذلك لمست جسدي كله. كيف يمكن لامرأة تفعل ذلك أن تكون مخلصة؟»
قال الملك:
«إنك حكيم حقًا».
ثم خطر ببال الملك سؤال آخر، فقال:
«حسنًا، لدي سؤال أخير. أجبني عنه بدقة وسأدعك تذهب. هل أنا حقًا ابن أبي أم ابن شخص آخر؟»
رد الرجل الأعمى:
«يا جلالة الملك، لماذا يهمك هذا السؤال؟ بغض النظر عن والديك، فأنت ملك هذه البلاد».
لكن الملك أصرّ:
«هذا السؤال سيظل يؤرقني، وأريد الحقيقة».
قال الرجل الأعمى:
«سأخبرك، لكن عليك أن تعدني ألا تغضب».
قال الملك: «أعدك».
فقال الرجل الأعمى:
«أنت بالفعل ابن أبيك، ولكنك أيضًا تحت ظل تاجر بخيل».
أسرع الملك إلى والدته وسألها الحقيقة، فأجابته:
«يا بني، أنت فعلًا ابن أبيك، ولكنك أيضًا تحت ظل تاجر بخيل».
فرح الملك، وعاد إلى الرجل الأعمى وسأله:
«كيف عرفت ظل التاجر البخيل؟»
أجاب الرجل الأعمى:
«يا مولاي، لقد سألتني أسئلة كثيرة، وأعطيتك إجابات صحيحة كلها، ولو كان ملك غيرك، لنلت مكافآت كثيرة، لكنك لم تعطِني فلسًا واحدًا حتى الآن، ومن هذا عرفت أنك بخيل».
انفجر الملك ضاحكًا وقال:
«اطلب ما تشاء وسأعطيك إياه، لكن أخبرني: كيف تعرف الصواب من الخطأ؟ كيف تقدم هذه الإجابات الدقيقة وأنت أعمى؟»
أجاب الرجل الأعمى:
«يا مولاي، أنا أعمى بطبيعتي، لكنني أفهم الناس بسهولة. للعقل لغة، ويمكن رؤية هذه اللغة في تصرفات الجسد. عندما تفقد إحدى الحواس، تقوى الحواس الأخرى. تعلمت الإصغاء جيدًا لكل صوت. سمعت ثقل خطوات الغزالة فعرفت أنها حامل، ورأيت غضب الملكة الشديد فعرفت أنها اعتادت لمس الآخرين، وحكمت على بخلك من صمتك عن المكافأة رغم إجاباتي».
ثم ابتسم وقال:
«الحكمة ليست في العينين، يا مولاي، بل في القلب والعقل اليقظ».
انحنى الملك احترامًا لحكمته وقال:
«لقد علمتني اليوم درسًا لن أنساه».
ابتسم الرجل الأعمى بهدوء وقال:
«العين قد تخدع صاحبها، لكن القلب المستنير يرى ما هو أبعد من الظلام. النور الحقيقي ينبع من الداخل. لم تكن سعادتي فيما افتقدته، بل فيما امتلكته. البصيرة النقية كنز لا يفنى، والقلب الصادق مصباح يضيء حتى في أحلك الظلمات».
كما ترى في الحياة، وفي حياتك أنت، تتجلى في قصة الرجل الأعمى والملك حقيقة أن البصيرة لا تأتي من العين، بل من القلب والعقل المتنبّه. كم من مبصرين يمشون في هذه الدنيا ولا يرون شيئًا، وكم من فاقدي البصر رأوا ما عجز الآخرون عن رؤيته.
عندما تُغلق نافذة في حياتك، تُفتح نوافذ أخرى. هكذا حُرم الأعمى نعمة البصر، فوهبه القدر بصيرة تخترق الحجب. لم يستسلم لظلامه، بل جعله نورًا يكشف خفايا النفوس.
قد تظن أن نقصًا في حياتك هو نهاية الطريق، لكنه قد يكون بداية طريق أعمق وأكثر معنى. تلك المحنة التي تراها قيدًا قد تكون جناحًا تحلّق به نحو آفاق لم تكتشفها بعد.
لاحظ كيف استثمر الأعمى حواسه الأخرى، وأنت… ما الذي تملكه ولم تستثمره بعد؟ ما المواهب المدفونة تحت انشغالك وتعجلك؟
عندما ترى عيوب الآخرين بسهولة، تذكّر أن فيك عيوبًا لا تراها، بينما يراها غيرك بوضوح. الحكمة ليست في كشف عورات الناس، بل في مدّ يد العون لهم.
كان الملك محاطًا بالمستشارين والحكماء، لكن بصيرة رجل أعمى بسيط كشفت له ما عجزوا عنه. لا تستهِن بأحد مهما بدا بسيطًا أو ضعيفًا، فالحكمة قد تكون متخفية في أبسط الناس.
أيها المتعثر في دروب الحياة، لا تنظر إلى قصورك بيأس، بل اجعله بوابة لاكتشاف قوتك الحقيقية. أيها الباحث عن النور، لا تبحث عنه بعيدًا، فالنور الحقيقي متقد في داخلك.
وفي عالم يركض خلف المظاهر، كن كالأعمى الذي رأى الجوهر. أنصت، تأمل، ثم امضِ بثقة من يرى بقلبه… فهو لا يضل الطريق أبدًا.
